أخبار مكناس

حديقة لحبول .. متنفس يشد الأنفاس بمكناس


بعد سنوات طوال من الإغلاق، بسبب مشروع إعادة تأهيل المدينة العتيقة بالعاصمة الإسماعيلية، الذي عرف عدة تعثرات، باتت حديقة لحبول التاريخية، في حلتها الجديدة، جاهزة لإعادة فتح أبوابها في وجه العموم.
إزاحة الستار
أشرفت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء،رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، زوال يوم الثلاثاء 21 ماي الجاري، على تدشين المنتزه التاريخي لحبول بمكناس، بعد خضوعه لأشغال الصيانة والتجديد.
وبهذه المناسبة، أزاحت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء الستار عن اللوحة التذكارية للمنتزه، قبل أن تقدم لسموها شروحات حول تراث المنتزه الرئيسي لمكناس، الذي استعاد رونقه وجماله بعد تجديده بشكل كامل، بتنسيق من مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة في إطار شراكة مع الجماعة الحضرية لمكناس، والمديرية العامة للجماعات الترابية، وعمالة مكناس، والمجلس الجهوي لفاس – مكناس، والوكالة الوطنية للمياه والغابات.كما قدمت لسموها شروحات حول النافورة والساقية، وتقنيات النافورات، وهي منظومة ري عريقة بالمدينة، وبركة أوراق زنابق الماء، وأنواع الطيور داخل الأقفاص، والفضاء الرياضي،وكذا وحدات “نافورة الماء”، و”تاريخ الأعمدة”، و”لغز النظم الإيكولوجية”، و”نظم النباتات العطرية”، و”التنوع البيولوجي النباتي”، فضلا عن إحداث التطبيق على الهاتف المحمول لمنتزه لحبول.
وبإزاحة الستار على اللوحة التذكارية للمنتزه في حلته الجديدة ،ستستعيد فيه ساكنة العاصمة الإسماعيلية دون شك متعة التنزه والاستجمام الذي يمتد على مساحة تبلغ خمس هكتارات، تظلله أشجار معمرة ونخل شامخ، مع مدرجات رائعة تم إنشاؤها على منحدرات وادي بوفكران، مما يمنحه طابع منتزه معلق يوفر أرضية لأنشطة رياضية، ويسمح لهذا التصميم بالاستمتاع بالامتداد الطويل الكامل للوادي مع تقديم منظر قطري للمناظر الطبيعية الخلابة لسهل سايس.
المنتزه وزئير أسد الأطلس
منذ تأسيس حديقة لحبول سنة 1921 وقبل اكتمال معالمها سنة 1952، تم جلب أسد الأطلس وتوطينه فوق سورها التاريخي 1937،الأسد الذي يتذكره آبائنا وأجدادنا وزئيره المدوي الذي يكسر سكون المكان ويزيده رهبة ومهابة ، ذلك الأسد المغربي الأصيل الذي رحل بعد الاستقلال الى منتزه بانيو، وتم إعادة قصته الجميلة سنة 1988 بعد خلق حديقة الحيوانات داخل الفضاء التاريخي للحبول، والتي ضمت آنذاك أصنافا نادرة من وحيش الغابات الافريقية والأمريكية والأسيوية وكذلك أسد الأطلس ولبؤته لكن القصة سوف تنتهي بترحيله سنة 1998 الى حديقة تمارة بالرباط رفقة مجموعة من الفهود والنمور وأصناف أخرى من الحيوانات النادرة .
اليوم، وقد تم تأهيل الحديقة التاريخية الحبول، لكن غاب الأسد وزئيره الذي كان يعطي شحنة قوية للأبطال السباحين في كل الفئات أثناء خوضهم المباريات والتداريب بمسبح تطل عليه الحديقة المعلقة لحبول ومعها أسد الاطلس العظيم.
وقد شملت أشغال إعادة التهيئة مسارات المنتزه، ووضع النافورات والأحواض المائية، وإعادة تأهيل المدرجات في الهواء الطلق، وتطوير أقفاص الطيور،وإعادة تأهيل الأغراس والجدران والأسوار.
ويظل متنزه لحبول، بالنسبة لرؤية المؤسسة، مكان للتوعية والتحسيس بحماية البيئة،حيث أنشئ مسار بيداغوجي لهذا الغرض ،يتألف من محطات لتوفير المعلومات والتحسيس التي كان تصميمها موضوع مسابقة للأفكار، أطلقتها المؤسسة كجزء من رسالتها للتوعية والتحسيس والتربية بشأن التنمية المستدامة، بين طلاب المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بفاس.هذه المبادرة الموحدة للمؤسسة تندرج في إطار مسلسل لتجريب وتقييم الإمكانات الإبداعية للطلاب الشباب في المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية، وتجسيدا لانخراطهم لصالح البيئة والتنمية المستدامة.
وتغطي وحدات المسار البيداغوجي العديد من المواضيع، تتمثل في “تاريخ المنتزه”، و”تاريخ الأعمدة الرومانية”، و”نافورة الماء”،و”لغز النظم الإيكولوجية”، و”النظم الإيكولوجية للنباتات العطرية”، و”التنوع البيولوجي النباتي.
وبغية الحفاظ على هذا الموقع ذي القيمة التراثية والثقافية والتاريخية العالية، شرعت المؤسسة، مع شركائها، في إدراج منتزه لحبول كموقع مصنف ضمن التراث الوطني .إذ يعد هذا المنتزه الذي تم إعادة تأهيله من قبل المؤسسة في إطار برنامجها لإعادة تأهيل المتنزهات والحدائق التاريخية بالمملكة، موقعا رياديا يحتل الصدارة ضمن المخطط البيئي للمدينة وينال الحظوة الكبرى من طرف المجتمع المدني والسياسي على حد سواء.
فموقع حديقة لحبول الاستراتيجي جعلها منذ النشأة الأولى بتاريخ 1920 تعتلي موقع الريادة البيئية بالمدينة ، حيث تموضعها يحتل قلب المدينة النابض بين المآثر العمرانية للمدينة القديمة التقليدية ، وبين الرؤية “البارونامية” للمدينة الحديثة (حمرية) المطلة عليها .كما أن ثلثي الحديقة تكتسيه الأشجار والأغراس، وكلها موزعة بشكل يجعل من عين الزائر تعلو علوا مع الأشجار الشاهقة وتتلون بألوان الاغراس المتنوعة المرصوصة بين الهندسة المغربية الأندلسية والمسحة الأوروبية الحديثة. ومع كل هذا تم استحضار الفرجة داخل حديقة لحبول من خلال إنشاء مسرح الهواء الطلق بطاقة استيعابية تصل إلى ألف متفرج، وهندسته مستنسخة من مسارح الرومان القديمة .
وبهذا يكون الأهم قد تحقق بكل ما تتطلبه الحديقة من مواصفات عالمية تعود دون شك بالنفع العميم على ساكنة العاصمة الإسماعيلية ، ولكن الملاحظ ،هو مدى الاكتظاظ الذي تعرفه الطريق المؤدية للبوابة الرئيسية لحديقة لحبول انطلاقا من شارع الروامزين ومدارة بوعماير ،ناهيك عن انعدام مواقف كافية للسيارات بمحيط المنتزه ، لذا بات من الضروري فتح بوابة الحديقة الجنوبية الموالية لموقف السيارات المهيكل، مع تحديث مقهى لحبول وجعلها تحتل موضع “المقهى الثقافي الفني ” وإرفاقها بفضاء ترفيهي خاص بالأطفال،فضلا عن إنشاء “كشك بيئي” يضم أهم الأجوبة الشافية للزائرين حول مسار الجولان بالحديقة، ومطويات تعرف بالوضعية البيئة بمدينة مكناس وكيفية المحافظة عليها.
حميد بن التهامي