أقلام حرة


بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين

أجي تفهم : دعونا اليوم نجازف ونقتحم الزاوية المظلمة في الوضع ببلادنا ،

دعونا ننساق وراء الاسئلة المتداولة ،و نبحث عن معقولية طرحها قبل البحث عن اجوبة لها .

سؤال خبيث ، مقلق ،حارق فارق، جاد وحاد :

هل الدولة بمؤسساتها اصبحت رهينة في أيدي لوبيات الإقتصاد الوطني و توصيات المانحين الدوليين ؟

اللوبي تعبير سياسي يعني مجموعة أو مجموعات الضغط ظاهرة أو خفية تحاول أن تؤثر على قرارت دولة أو مؤسسة .

يضم اللوبي عادة مجموعات أو مجموعة منظمة ولها أهداف ومصالح بعيدة المدى من خلال التأثير على صناع القرار، وقد يتشكل اللوبي من أصحاب أموالٍ يؤثرون على السياسة العامة. وللصحافة والإعلام دور حاسم في نشاط بعض اللوبيات. ترتبط بشبكة من المصالح عابرة للمؤسسات وللتقسيمات الإدارية مما يمكنها من الإمساك بالمفاصل الرئيسية للدولة ويجعل من عملية التغيير والتطوير والاصلاح عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة حيث ترى فيها خطرا وجوديا يتهدد مصالحها.

وبالتالي أخذ المؤسسة رهينة بين أيديهم يتحكمون بالكثير من قراراتها ويوجهونها بما يخدم اهدافهم الخاصة.

اما الرهينة هو شخص يتم احتجازه، ويعرف مصطلح “الرهينة” عند المغاربة بعقد يتم بين مالك المنزل ومَن يكتريه منه بمبلغ زهيد أو منعدم، مقابل مبلغ من المال محدد لمدة زمنية معينة حسب ما يتفق عليه الطرفان.

فكيف تكون الدولة او مؤسساتها رهينة عند اصحاب المال والاعمال ؟

لوبيات المال كان لها دائما تواجد في السياسة ولكن ليس بشكل مباشر ،ولكن عبر دعم وتمويل احزاب للدفاع بالنيابة على مصالحها .

وبمجئ حزب الاصالة والمعاصرة تم ادماج رجال الاعمال بشكل مباشر في الحياة السياسية وكان اعتماد نظام اللائحة في الانتخابات احدى البوابات لهذا الإدماج.

الاحزاب الوطنية لم تقاوم هذا التوجه الذي يهدد وجودها ،بل ركبت الموجة واعلنت برنامج “انفتاح” و”الابواب المفتوحة” ليغزو اصحاب المال الاحزاب الوطنية ويطردوا المناضلين و المثقفين .و قبلت بوجوه فرضت عليها من رجال المال والاعمال لقيادة اغلب المدن المغربية في 2003.

بعدها اطلقت يد هؤلاء في الانتخابات ،واصبحت الدولة مغمضة العينين امام الاستعمال المفرط للمال ،بداية من حجم الاموال التي تصرف ولا تعلن في بيان اموال الحملات المودعة قانونيا لدى وزارة الداخلية ،او عبر شراء الاصوات للتأثير على الناخبين .

وفي نفس الوقت كانت الدولة حريصة ان تعلن كل الاحزاب المشاركة ان العملية الانتخابية مرت في اجواء سليمة او غير مطعون في نتائجها .

فتطابقت رؤية الدولة مع رؤية الاحزاب مع رجال المال والاعمال ، والنتيجة توغل مالي في الحياة السياسية يجعل المثقف والمناضل في خدمة اصحاب “الشكارة”.

فأغرق البرلمان باصحاب المال الذين افقدوا المؤسسة التشريعية حسها الاصلاحي و النقدي ،وتحولت الى واجهة لاصحاب المال لمنع قوانين تمس مصالحهم و تمرير اخرى تحميهم و مالهم .

اما في المؤسسات المنتخبة ،فالدولة لا تسأل المنتخبين: من اين لك هذا ؟ وهي تعاين منتخبين من الطبقة الوسطى يقتنون ويمتلكون العقارات و السيارات و الضيعات …

وإكتملت الصورة عندما اقرت الدولة تعويضات خيالية للمنتخبين نظير مهامهم في مختلف الواجهات ، وتصادف ـ او تم بشكل متعمد ومخطط له ـ اقرار هذه التعويضات بمجئ الاسلاميين الى السلطة ، والوزير الذي جاء الى القصر بسيارته المهترئة والمعبئة ب100 درهم من الوقود يوم تشكيل الحكومة و تباهى بها امام الشعب والكاميرات وسماها سيارة الشعب ، لا يجد حرجا وهو يغادر الحكومة ان يقف امام الفيلا التي يسكنها بعد ان غادر حيه البئيس ومدينته النائية ،و يوقف سيارته الفارهة بعد ان باع سيارة الشعب لمواطن من ابناء الشعب !!!.

فالفيلا و السيارة حسب ما يريد ان يقنع به الشعب جناها من تعويضات مستحقة على انتدابات انتخابية ومهام حكومية تطلبت منه مجهودا وتضحية !!!

لم يتوقف توغل رجال المال عند هذا الحد بل تطور ليصل الى مراكز القرار عبر “إمتلاك ” حكومة باكملها ، و اصبحت الحكومة في خدمة رجال المال وليس في خدمة المواطنين .

وبهذا المنطق حين يقر ملك البلاد تنزيل برامج ذاة طابع إجتماعي ،تجد المؤسسسات تبارح مكانها وتشتغل بشكل بطيئ ،كما هو الحال في إعادة اسكان متضرري الزلزال ، و تعميم التغطية الاجتماعية و الحسم في معايير المؤشر عند الاسر المدعمة ، و تطوير منظومة التعليم …

كل هذه القطاعات تشكل اهمية لإستقرار نظام الدولة ،لذلك يلح عليها ملك البلاد الراعي لرعاياه المؤتمن على مصالهم . لكنها عند اصحاب المال والمانحين قطاعات غير منتجة .

بهكذا منطق تختلف الاولويات ، حتى يصبح صاحب “الشكارة” الذي يترأس جماعة ترابية يرى ان تنظيم مهرجان بنصف ميزانية الجماعة له الأولوية على التعجيل بصرف منح جمعيات تشتغل في محاربة الامية او بناء قنطرة او إحداث واصلاح مسالك جبيلية !!!!

في كثير من الدول يكون لوبي المال هو لوبي ضغط على المسؤولين والساسة و الحاكمين لحماية مصالح رجال المال و الاعمال ،

لكن في مغرب اليوم هذا اللوبي لم يعد لوبي ضغط ،بل اصبح هو المستحوذ على الساسة و السياسيين والاحزاب والجماعات و الغرف و البرلمان والحكومة !!!

بعد كل هذا هل السؤال :

هل الدولة بمؤسساتها اصبحت رهينة في أيدي لوبيات الإقتصاد الوطني و توصيات المانحين الدوليين ؟

سؤال خبيث ، مقلق ،حارق فارق، جاد وحاد ؟

ام اننا تهنا في الزاوية المظلمة ؟

فهل تعتبرون