الحسيمة – خاص: تقرير متخصص في الشأن الصحي
الجزء الثاني
في تكملة لشهادتها المدوية حول واقع القطاع الصحي بالحسيمة، كشفت الدكتورة وداد أزداد، الأخصائية السابقة في التصوير الطبي، عن أرقام مفزعة تؤكد تفريغ المستشفيات من الأطر الطبية، محملة المسؤولية للإدارة التي حولت الإقليم إلى “منطقة منبوذة” لدى الأطباء الجدد، مما يفاقم من معاناة ساكنة تعاني أصلاً من ضعف القدرة الشرائية وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان.
الأطباء يفرون.. والتخصصات تتبخر
أكدت الدكتورة أزداد أن قرار المغادرة لم يكن سهلاً، بل جاء بعد انهيار عصبي وصدمة نفسية، لكن إصرارها على فضح ما جرى نابع من رغبة في “جبر الضرر” وإنقاذ ساكنة الريف. وقد قدمت الأرقام التالية لتأكيد حجم الكارثة:
| التخصص الطبي | عدد الأطباء عند المغادرة | العدد الأصلي (تقريبي) | الملاحظات |
| الأشعة | 0 | 3 | المستشفى “عقيم” بدونهم |
| جراحة الأطفال | 0 | 4 | تفريغ كامل |
| طب القلب والشرايين | 0 | 3 | تفريغ كامل |
| طب الإنعاش | 2 | 5 | نقص حاد |
| طب النساء والتوليد | 2 | 4 | نقص حاد |
| جراحة الفك والوجه | 0 | 2 | تفريغ كامل |
كما أشارت إلى وجود طبيب واحد فقط في تخصصات حيوية مثل طب العيون، الأنف والحنجرة، جراحة العظام، المسالك البولية، والأمراض الباطنية والغدد. هذا النقص الحاد، الذي نتج عن “الأساليب القمعية” لنفس المسؤول الإداري، جعل مستشفى الحسيمة غير فعال وغير قادر على تقديم أبسط الخدمات.
ساكنة الحسيمة تواجه “كابوس” الاستشفاء
يخدم إقليم الحسيمة منطقة جغرافية واسعة تمتد من الناظور والدريوش شرقاً إلى الجبهة غرباً وتاونات جنوباً، ورغم كونه من بؤر السرطان في المغرب، إلا أنه يفتقر لأطباء الأشعة حتى في معهد الأورام الوحيد، مما يجعل المستشفيات العمومية هي الملجأ شبه الوحيد لغالبية السكان ذوي القدرة الشرائية الضعيفة.
وتؤكد الدكتورة أزداد أن تدهور الوضع وزيادة الخصاص في التخصصات، خاصة بعد نقل أغلب الخدمات للمستشفى الإقليمي محمد السادس (الذي يبعد 7-8 كيلومتر عن الحسيمة وإمزورن)، جعل “الاستشفاء بمثابة كابوس” بالنسبة للسواد الأعظم. فقد بات بعض المرضى يضطرون إلى التنقل إلى مصحات طنجة وتطوان وفاس ووجدة والرباط، معتمدين على الاقتراض أو عطاء المحسنين لتغطية مصاريف التنقل والمبيت والعلاج في القطاع الخاص.
صمت إداري وخذلان نقابي وبرلماني
رغم محاولات الأطباء “دق ناقوس الخطر” عبر مراسلات إدارية مباشرة، بما في ذلك مراسلة وزير الصحة حينها، إلا أن هذه المراسلات ظلت “دون جواب” أو لم تصل للمسؤولين الجهويين.
وفيما يخص الإطار النقابي، أوضحت الدكتورة أزداد أن النقابة المستقلة في الإقليم كانت “غير مفعلة”، بسبب الإرهاق الشديد للأطباء. وحتى عندما حاولت الاتصال بالنقابات المركزية وهيئة الأطباء، كان الرد “جد بارد ودون المستوى”. كما أن نائباً برلمانياً عن المنطقة “لم يعد يرد” بمجرد علمه باسم المسؤول موضوع الشكاية، مما يبرز حالة العزلة التي عاشها الأطباء.
الظلم الإداري يدمر صحة الأطباء وأسرهم
لم يقتصر تأثير “الشطط الإداري” على الخدمات الصحية، بل امتد ليطال الأطباء وعائلاتهم. فإلى جانب الانهيار العصبي الذي تعرضت له الدكتورة أزداد، أدى تصاعد الأذى وتحريض الإدارة ضدها إلى إصابة والدها بوعكة صحية مفاجئة، ووالدتها بالتهاب مزمن في المعدة، ما عكس الثمن الباهظ الذي تدفعه الكفاءات المهنية في مواجهة التسلط الإداري.
وتختتم الدكتورة أزداد بالتأكيد على أن خيارها بالمجاهرة كان بدافع إنساني، وهي تدرك مخاطر المتابعة القضائية بتهمة التشهير، لكنها تعتمد على “شهادات الشهود” والتضامن العفوي الذي وصلها من محامين وصحفيين وجمعيات، مؤكدة أنها لن تسكت عن “إذلال الأطباء” وتفريغ مستشفيات الحسيمة.

