
الحسيمة – يوم الأربعاء 29 أكتوبر، احتضن مركز مبادرات الشباب والنساء بالحسيمة اجتماعاً تنسيقياً جمع عدداً من الجمعيات الشريكة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بحضور ممثلين عن قسم العمل الاجتماعي وعدد من المصالح المحلية.
الاجتماع الذي جاء في إطار التتبع والتقييم كان هدفه المعلن تقييم أثر المشاريع الممولة على الفئات المستهدفة، غير أن السؤال الجوهري ظل مطروحاً بقوة: هل غيّرت هذه المشاريع فعلاً حياة الناس؟
أرقام دون أثر
منذ انطلاقها سنة 2005، موّلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مئات المشاريع عبر إقليم الحسيمة.
شملت هذه المشاريع مجالات محاربة الفقر، دعم التعليم، تمكين النساء، وتشغيل الشباب عبر أنشطة مدرة للدخل.
لكن مراقبين محليين يرون أن الفجوة ما زالت كبيرة بين الأرقام الرسمية والواقع الميداني. كثير من المشاريع تفقد استمراريتها بعد انتهاء التمويل الأولي، بسبب غياب المواكبة التقنية والمالية.
الجمعيات المستفيدة تجد نفسها عاجزة عن ضمان ديمومة المبادرات، مما يجعل الأثر الاجتماعي محدوداً أو مؤقتاً في أحسن الأحوال.
سكان المناطق القروية ما زالوا يعانون من البطالة وضعف فرص الشغل والهشاشة الاقتصادية التي كان من المفترض أن تخفف منها المبادرة.
حكامة تحتاج إلى مراجعة
رغم الجهود التي تبذلها السلطات الإقليمية لتتبع تنفيذ المشاريع، تبقى إشكالية الحكامة قائمة.
يشير فاعلون محليون إلى أن بعض المشاريع تُبرمج دون إشراك فعلي للمستفيدين في تحديد الأولويات، مما يجعلها أحياناً بعيدة عن الحاجات الحقيقية للسكان.
كما تتحدث بعض الجمعيات الجادة عن إقصاء مقصود من برامج الدعم لأسباب شخصية أو سياسية.
غياب تقييم ميداني مستقل وشفاف يجعل من الصعب قياس الأثر الاجتماعي الحقيقي، خاصة حين تبقى لغة الأرقام العامة هي السائدة في التقارير الرسمية، بينما الواقع الاجتماعي يعكس هشاشة واضحة واستمرار الفوارق.
مراكز اجتماعية هشة
الاجتماع الأخير تطرق أيضاً إلى تحسين جودة الخدمات داخل المراكز الاجتماعية ومراكز الاستقبال، وهي مؤسسات يفترض أن تحمي الفئات الهشة.
لكن الواقع يُظهر أن عدداً من هذه المراكز تفتقر إلى الموارد البشرية المؤهلة والإمكانات اللوجستية الكافية.
في غياب برامج تكوين ومواكبة مستمرة، تبقى فعاليتها محدودة، ويضعف تأثيرها على الفئات المستفيدة.
دعوة إلى تقييم صريح
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تظل مشروعاً وطنياً طموحاً يهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية والإدماج الاقتصادي. غير أن نجاحها الحقيقي يمر عبر مراجعة صريحة وواقعية لتجربتها في إقليم الحسيمة.
المطلوب هو الانتقال من منطق التمويل إلى منطق الأثر، ومن تتبع إداري إلى تقييم ميداني قائم على النتائج.
التنمية لا تُقاس بعدد المشاريع المنجزة، بل بمدى التحسن في حياة الناس.
آن الأوان أن تتجاوز المبادرة منطق الأنشطة الموسمية والتقارير التجميلية والحسابات السياسية الضيقة، نحو مقاربة تنموية عميقة تخلق فرصاً اقتصادية حقيقية وتضمن استدامة المشاريع.
ويبقى السؤال الذي يجب طرحه اليوم: كم من مشروع غيّر فعلاً حياة الناس، لا كم مشروع تم إنجازه؟

