الأحداث الوطنية|الأحداث الوطنية

فضيحة سرقة منصب العمادة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط:

Screenshot_20251101-125320

 

لجنة انتقاء على المقاس وإقصاء لذوي الخبرة والتجربة.

المسؤول المباشر: رئاسة جامعة محمد الخامس

أثارت النتائج الأولية لانتقاء عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط جدلاً واسعاً بالنظر إلى المسار الذي اتخذته وإلى ما طُرح من شبهات حول تدخل رئاسة الجامعة في تشكيل اللجنة المعنية وإقصاء مترشحين من ذوي الكفاءات العالية والخبرة الواسعة حتى يحل محلهم أشخاص لا يفقهون شيئا في التدبير الأكاديمي ولا حتى في بيداغوجيات التعليم العالي. فرغم الرسائل الرسمية والشكاوى التي وُجّهت إلى رئاسة الجامعة والوزارة الوصية، والتي نبّهت إلى خروقات جسيمة أدّت إلى تدهور واضح في أوضاع الكلية، إلا أن الجهات المخوّلة سلكت مسلك الآذان الصماء، بل وقامت بالتخطيط لعملية احتيال جديدة باقتراح أعضاء لجنة انتقاء على المقاس، لم تتوانَ عن اعتماد معيار “الصالح للأجندات الخاصة” عوض “الصالح للمصلحة العامة وخدمة المؤسسة”.

تشير كل المعطيات المتوفرة إلى أن اللجنة تم تشكيلها وفق معايير فوضوية تذكر ببلاد السيبة ومبدأ القوة تصنع الحق، وذلك بهدف تمكين مرشح بعينه من تولي منصب العمادة. المرشح المذكور ليس سوى المدعو زكريا بودحيم، زوج العميدة بالنيابة الحالية، والمتورط إلى جانب زوجته في الملفات المتعلقة بالفساد التي سبق أن نُشرت بشأنه، والتي، كما كان منتظرا،  لم تبادر الجامعة إلى التحقيق فيها، مما يثير تساؤلات مشروعة حول مسؤوليتها كراعية للفساد داخل المؤسسة المنكوبة. وقد ثبت بالدليل القاطع أن لهذا الشخص علاقات مباشرة تربطه بمن اقترحوا أسماء اللجنة، وذلك  في إطار من الزبونية وتقاطع المصالح. هذه الممارسات تشكل خرقاً سافراً لقيم الشفافية والاستحقاق التي يُفترض أن تؤطر عمل المؤسسات الجامعية، لا سيما في لحظة مفصلية تتطلب إصلاحاً عميقاً لمسارات التدبير الأكاديمي.

وسيتم في ما يلي تقديم ما يدعم هذه الخروقات، في سياق يكشف الحاجة الملحة إلى فتح تحقيق نزيه ومحاسبة كل من ثبت تورطه في تقويض استقلالية الجامعة وشرعية مؤسساتها:

أول ما يلفت الانتباه في مسار تشكيل لجنة انتقاء المترشحين لمنصب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، هو إقدام الجهات المعنية على تعيين أعضاء ضمن اللجنة يُعرف عنهم ولاؤهم التام، ليس فقط للجهات صاحبة القرار داخل رئاسة الجامعة، بل كذلك لبعض المترشحين الذين تم انتقاؤهم مسبقاً بعناية دقيقة، في ما يبدو أنه خرق صريح لمبدأ تكافؤ الفرص واستفزاز غير مألوف  طبع هذا المسلسل منذ بدايته. هذا السلوك يعكس  انزياحاً خطيراً عن الأعراف الجامعية، وانخراطاً مقلقاً في منطق الترتيبات القبلية التي تقوض أسس التدبير الرشيد للمؤسسات العمومية. فبالنظر إلى تركيبة لجنة التحكيم، يتضح بجلاء للخاصة والعامة على حد سواء، خاصة داخل الكلية، أنّ الأسماء المُختارة تعكس إرادة غير واعية بمجريات الأمور و تداعياتها  ومتعنتة  في قراراتها  إذ تسعى إلى تكريس العبث على حساب العقل والمنطق. ويبدو أن هذا التوجه يندرج ضمن مسار ممنهج من الفساد الإداري الذي شهدته كلية الآداب بالرباط ولا تزال تشهده، في ظل رعاية  مباشرة من قبل بعض الأطراف النافذة داخل الجامعة والمفتشية وديوان السيد الوزير.

السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه بإلحاح في هذا السياق يتعلق بمدى تعمّد اختيار أعضاء لجنة الانتقاء من بين أشخاص يُعرف عنهم ولاؤهم المطلق للمترشحين الثلاثة الذين تم انتقاؤهم في النهاية لعرضهم على مجلس الحكومة. فرئيس اللجنة صديق مقرب للسيد أحمد البوكيلي، وهذا الأخير معروف لدى الكل بعلاقته الوطيدة بالمدعو زكريا بودحيم، الفائز الأول على رأس الثلاثة الذين سيعرضون على مجلس الحكومة.

أما السؤال الثاني، والذي لا يخلو من مفارقة تدعو إلى الاستغراب، فيتعلق بإدراج الأستاذ محمد الوهابي ضمن أعضاء اللجنة، في تجاهل يفتقر إلى الاحترام لذكاء أساتذة وموظفي كلية الآداب، الذين يدركون جيدًا طبيعة العلاقة التي تربطه بالمرشح الفائز. فالمعروف عن هذا الأستاذ أنه يُعد بمثابة ظل لزكريا بودحيم، يرافقه باستمرار، بل ويضع سيارته الخاصة رهن إشارته لنقله كلما شاء وحيثما شاء. ويجدر التساؤل كذلك: أليس هذا العضو نفسه هو من تقاعس في مناقشة أطروحة الدكتوراه ولم يفلح في ذلك إلا مؤخرًا، وهو على أبواب التقاعد، وفي ظل رعاية مباشرة من زكريا بودحيم وزوجته القائمة بأعمال العمادة؟

ويثار في هذا السياق تساؤل مشروع حول الأسباب التي أدت إلى إقصاء عدد من الأساتذة المشهود لهم بالكفاءة والجدارة، لمجرد عدم ارتباطهم بعلاقات شخصية مع مسؤولين نافذين. ومن بين هؤلاء، الأستاذ محمد الباح، الذي سبق أن شغل منصب نائب العميد المكلف بالشؤون البيداغوجية لفترتين متتاليتين، مما أتاح له اكتساب تجربة إدارية  تؤهله بامتياز لتولي منصب العمادة، على غرار ما هو معمول به في مؤسسات جامعية تحترم مبادئ الاستحقاق وتلتزم بالقانون. كما يبرز في هذا السياق الأستاذ محمد مخطاري، الذي راكم بدوره تجربة إدارية معتبرة من خلال توليه سابقًا منصب نائب العميد، فضلًا عن تحمّله مسؤوليات إدارية خارج المغرب في مؤسسة جامعية تابعة لنفس الجامعة، وهو ما أسهم في تطوير كفاءاته التنظيمية والإدارية. وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ مخطاري يُعد من أقدم الأساتذة المؤهلين داخل الكلية، وحاصل منذ سنين على درجة أستاذ التعليم العالي، ما يجعله مرشحًا طبيعيًا وجديرًا للمنصب. الإثنان معا قدما ملفيهما، لكن تعرضا للإقصاء لأنهما باحا بنيتهما في اللجوء إلى لجنة تقصي الحقائق قبل مباشرة مهامهما على رأس العمادة. هل تخاف الجامعة والوزارة من لجان تقصي الحقائق؟ ماذا وراء جدران الخزان؟

ومما يثير الاستغراب الشديد  أيضا هو إقصاء عدد من الأساتذة الذين يتمتعون بمكانة علمية مرموقة، إلى حد يجعل من غير اللائق ذكر أسمائهم في هذا السياق، احترامًا لما يمثلونه من قيمة أكاديمية ورمزية علمية تتجاوز حدود الوطن. فقد ساهم هؤلاء الأساتذة، من خلال أعمالهم البحثية ومؤلفاتهم الرصينة، في إثراء الحقل المعرفي، كما أسهموا بشكل فعّال في ترسيخ المكانة الأكاديمية لكلية الآداب. ويكفي للدلالة على هذا التفاوت أن نُشير إلى أن المرشحين الثلاثة الذين تم اختيارهم سلفًا، كانوا لا يزالون طلبة في الوقت الذي كان فيه هؤلاء الأساتذة يخطّون تاريخ الكلية عبر كتاباتهم وإسهاماتهم العلمية البارزة. وفي هذا الإطار، يحق لنا أن نتساءل عن المعايير المعتمدة في عملية الانتقاء خلال دراسة ملفات الترشيح لمنصب العمادة. فإن كانت هذه المعايير علمية، فإن حضور الأسماء الثلاثة ضمن اللائحة النهائية يثير العديد من علامات الاستفهام، بالنظر إلى محدودية إنجازاتهم الأكاديمية مقارنة بمترشحين آخرين أكثر أهلية. أما إذا كانت المعايير ذات طابع إداري، فإن الأمر لا يختلف كثيرًا، إذ إن الخبرات الإدارية لهؤلاء المرشحين الثلاثة معدومة تماما ولايمكن أن ترقى إلى مستوى يُبرر إدراجهم في اللائحة المعروضة على أنظار مجلس الحكومة.

ويبدو أن الاختيار المسبق لهؤلاء الثلاثة لم يكن عشوائيًا، بل يندرج ضمن منطق محسوم سلفًا، يُراعي اعتبارات القرب والولاء بدلًا من الكفاءة والاستحقاق. وهم، كما هو معلوم داخل الكلية، يشكّلون فريقًا واحدًا، حسب اعترافاتهم العلنية، ولا غرابة في أن نجدهم يتولّون مناصب مؤثرة، بما في ذلك تحكّمهم في المكتب النقابي داخل المؤسسة، الأمر الذي يطرح إشكاليات جدية تتعلق بالشفافية وتكافؤ الفرص.

ولا يمكن أن نغضّ الطرف عن  المترشح الذي فاز بالرتبة الثالثة على وجه التحديد، دون التوقف عند جملة من التساؤلات الجوهرية حول معايير أهليته. فكيف يمكن قبول ترشيح أستاذ تُطرح بشأنه ملاحظات موضوعية تتعلق بعدم تمكنه من صياغة جملة سليمة لا بالعربية ولا بالفرنسية، وهما اللغتان الأساسيتان في الاإدارة الجامعية بالمغرب؟ يُضاف إلى ذلك كونه حديث العهد بالحصول على درجة أستاذ التعليم العالي، الأمر الذي يُضعف من وجاهة ترشيحه بالنظر إلى متطلبات المنصب من حيث التراكم العلمي والخبرة الإدارية. كما أن الملف العلمي والإداري لهذا المترشح، بحسب ما هو متداول ومعروف داخل الكلية، يُعد ضعيفًا وهزيلًا إلى حد يثير الدهشة إزاء إدراجه ضمن القائمة النهائية، مما يطرح علامات استفهام جدية حول شفافية ومصداقية العملية برمتها.

وفي هذا السياق، وبيقين من يعرف أن المكلفين بزمام الامور لن يحركوا ساكنا كعادتهم، نوجّه دعوة صريحة إلى رئاسة الجامعة ونُحمّلها مسؤولية الشفافية المؤسساتية، مُتحدّين إياها أن تكشف عن محتوى ملفات الترشيح المقدمة، بما في ذلك السير الذاتية للمرشحين ومشاريعهم التفصيلية المتعلقة بإصلاح الكلية وتطويرها. فهل تمت دراسة هذه الملفات على أساس علمي وموضوعي؟ وهل تعكس المشاريع المقدمة تصوّرات حقيقية ومُؤسَّسة للنهوض بالمؤسسة الجامعية؟ بل نذهب إلى أبعد من ذلك، وندعو رئاسة الجامعة إلى إحالة هذه الملفات على السيد الوزير المكلف بقطاع التعليم العالي، أو على الأقل، تمكين وسائل الإعلام المختصة والمهتمة بالشأن الجامعي من الاطلاع عليها، إعمالًا لمبدأ الشفافية وربطًا للمسؤولية بالمحاسبة، حتى يتمكن الرأي العام الأكاديمي والوطني من التمييز بين ما هو صادق وموضوعي، وما هو قائم على المحاباة والمغالطة.

هذه هي النتيجة النهائية بعد إقصاء الكفاءات، والتي سربت مباشرة بعد مسرحية إجراء المقابلات :

المرتبة الأولى: زكريا بودحيم (260 نقطة)

المرتبة الثانية: محمد بن دحان (210 نقطة)

المرتبة الثالثة: حسبان رضوان (190 نقطة)

وإذا كنا نُحيي من يلتزمون الصمت إزاء ملفات الفساد، بل ويسهمون، بقصد أو بغير قصد، في ترسيخ جذوره داخل مؤسساتنا الجامعية، فإننا لا نملك في المقابل إلا أن نُعرب عن أسفنا العميق لهذا الواقع المؤلم. وحسبنا الله ونعم الوكيل.