الأحداث الوطنية

إدمان الشاشات: عندما يتحول التواصل إلى عزلة

.بقلم : المصطفى المصدوقي .

في عالمنا المتسارع، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية ؛ من “فيسبوك” و”إكس” إلى “إنستغرام” و”تيك توك”، أضحت هذه المنصات بمثابة نوافذ افتراضية نطل من خلالها على العالم، ونتواصل من خلالها مع الأصدقاء والعائلة، ونتابع آخر الأخبار، ونكتشف اهتمامات جديدة. لكن، وراء هذه الواجهة البراقة للتواصل، يكمن وجه مظلم بدأ يلقي بظلاله على حياتنا ألا وهو إدمان وسائل التواصل الاجتماعي.إن مفهوم “الإدمان” يبدو قاسيا للوهلة الأولى عندما نتحدث عن مجرد تطبيقات على الهاتف، لكنه ليس بعيدا عن الواقع ؛ فمثل أي إدمان آخر، سواء كان للمخدرات أو القمار، ينطوي إدمان وسائل التواصل الاجتماعي على سلوك قهري متكرر، يؤثر سلبا على حياة الفرد ؛ إنه الشعور المستمر بالحاجة إلى التحقق من الإشعارات، الخوف من فوات شيء (FOMO)، والقلق إذا لم نكن متصلين ؛ هذا السلوك يدفعنا إلى قضاء ساعات طويلة في التصفح، على حساب أنشطة أخرى أكثر أهمية مثل العمل، الدراسة، العلاقات الحقيقية، وحتى النوم.ما الذي يجعل هذه المنصات إدمانية إلى هذا الحد؟ يكمن جزء كبير من الإجابة في علم النفس البشري وتصميم هذه التطبيقات ؛ تستغل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي نقاط ضعفنا النفسية، فتغذي حاجتنا الفطرية للتقدير والقبول الاجتماعي ؛ الإعجابات، التعليقات، والمشاركات تعمل كـ”مكافآت فورية” تطلق الدوبامين في الدماغ، مما يخلق حلقة إدمانية تجعلنا نعود مرارا وتكرارا بحثا عن المزيد من هذه المكافآت. بالإضافة إلى ذلك، فإن “الخوارزميات” المصممة بذكاء تهدف إلى إبقائنا على المنصة لأطول فترة ممكنة، بتقديم محتوى يتوافق مع اهتماماتنا، مما يجعل الابتعاد عنها أمرا صعبا.و تتعدد تبعات هذا الإدمان، ولا تقتصر على هدر الوقت فحسب ،بل ان الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بزيادة معدلات القلق والاكتئاب، خاصة بين الشباب ؛ فالمقارنات المستمرة مع صور الحياة المثالية التي ينشرها الآخرون يمكن أن تؤدي إلى شعور بالنقص وعدم الرضا عن الذات؛ كما أن الاعتماد المفرط على التواصل الافتراضي يمكن أن يضعف العلاقات الاجتماعية الحقيقية، ويقلل من مهارات التواصل وجهًا لوجه، مما يعزل الأفراد عن محيطهم الحقيقي ؛ بما في ذلك فقدان حتى اللحظات الحميمية ،وحتى الصحة الجسدية لا تسلم من هذه الآثار، فالجلوس لساعات طويلة، ونقص النشاط البدني، واضطرابات النوم، كلها عوامل تزيد من المخاطر الصحية.ليس القصد من هذا المقال الدعوة إلى هجر وسائل التواصل الاجتماعي تماما، فهذه المنصات تحمل في طياتها الكثير من الإيجابيات إذا ما استخدمت باعتدال ؛ لكن الأهم هو الوعي بخطورة الإفراط في استخدامها، والاعتراف بأن الإدمان عليها حقيقة موجودة وكاءنة ولا مفر منها يجب علينا أن نتعلم كيفية إدارة وقتنا على هذه المنصات، ووضع حدود واضحة لأنفسنا ولأبنائنا ؛ في هذا الشق تبرز معاناة الوالدين مع الابناء ، و يتطلب الأمر تحديد أوقات معينة للتصفح، مع إيقاف الإشعارات غير الضرورية، أو حتى أخذ فترات استراحة رقمية.في الختام، إن العلاقة مع وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن تكون علاقة صحية ومسؤولة ؛ فالتكنولوجيا خادمة جيدة ولكنها سيد سيء وشر لا بد منه ، إننا نملك القدرة على استعادة زمام الأمور، وتحويل هذه الأدوات من مصدر للإدمان والعزلة إلى وسائل حقيقية للتواصل والنمو ، السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نحن مستعدون لتلك الخطوة؟