أقلام حرة

إساءة دينية أخرى بطعم السياسة و في ظل الأزمة الصحية العالمية…. عيد مولد نبوي شريف ” و فداك بأبي و أمي و حياتي يا رسول الله” 

 

بقلم: إيمان الحفيان  الأحدات الوطنية

 

ليس بالأمر الجديد و لا الغريب الإساءة للرسول الحبيب أفضل الصلاة و السلام عليه، إلا أم ما يحز في النفس و لا يقبله عاقل و إنسان يعترف بحرية المعتقد.

فآخر المرسلين و بدوره كان يؤكد على حرية المعتقد رغم حثه على نشر تعاليم الدين و تبليغه الرسالة و أدائه الأمانة و امتثالا لأوامر الله عز و جل.

بغض النظر عن اختلاف الديانات السماوية و تعدد العرقيات و تنوع اللهجات و اتساع رقعة العالم لغاية تتحدد في تعارف الشعوب و قبول الاختلافات، فلو شاء الله عز و جل كما ذكر في عظيم كتابه أن كان قد خلقنا أمة واحدة، و لكن خلق الأمم ووضعها في منازل متفرقة و لكل واحد منا و فينا عالمه الخاص و معتقداته و مبادئه.

إلا أن كينونة الإنسان تتمثل أساسا في قبوله اختلاف الآخر و احترام قناعاته و تصوراته كيفما كان أصلها، و كلمحة خفيفة فيما يخص الإساءة إلى شخصية الرسول الكريم سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه إلى بدايات ظهور الإسلام في مكة، من طرف مشركي مكة الذين كانوا يعبدون الأوثان ويتخذونها أندادا من دون الله تعالى.

و تجدر الإشارة إلى إساءة مشركي مكة التي تنوعت أساليب و طرق محاربتهم  لشخصيته ومن هذه الأساليب السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب، وإثارة الشبهات وتكثيف الدعايات، و نعتوه بالجنون، و أنه كهان ووصل الأمر لحدود محاولات عديدة لأجل اغتياله.

و اتهموه صلوات الله عليه أيضا بأنه اقتبس القرآن من أحكام التوراة، بكونه كان على دراية تامة بالديانة اليهودية، و لا يمكن أن نخفي بأن اليهود هم أيضا لطالما أساؤوا للإسلام وأهله، وقد كتب شعراؤهم قصائد في هجاء الإسلام والرسول والتشبيب بنساء المسلمين.

علاوة على ذلك الانتقاد النصراني لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم من طرف John  Damascus و هو مؤلف ضد شخصية الرسول والإسلام، حيث ذكر في كتابه المسمى De Haeresbius بأن بحيرا الراهب قام بمساعدة الرسول في كتابة القرآن.

كما طعن القساوسة في النبي صلى الله عليه وسلم إيلوجيس Eulogius الذي ركز على رفض الإسلام فكرة الثالوث واعتبار الرسول محمد للسيد المسيح مجرد نبي أو رسول وقام إيلوجيس بكتابة العديد من الرسائل مشددا فيها أن الرسول (محمدا صلى الله عليه وسلم) هو رسول كاذب حسب زعمه وانه مدعي للنبوة وانه أغلق الباب بعده لأي نبي يأتي بعده ووصف الرسول في كتاباته “بالذئب المختبئ بين الخرفان”، و في العصر الحديث صدرت الكثير من المطبوعات التي طعنت في شخصية الرسول ومن أبرزها رواية آيات شيطانية للهندي المرتد سلمان رشدي، مظاهرات تنديد بالكتاب في إسلام آباد، ولندن وطهران وبومبي، ودكا واسطنبول والخرطوم ونيويورك أيضا.

بعد أحداث 11 سبتمبر2001 بدأت موجة جديدة وصفها البعض بموجة منظمة للإساءة إلى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وشهد العالم تصاعدا في الكتابات التي تطعن في و لقب النبي أيضا ب “نبي الخراب”Prophet Of Doom” للمؤلف كريك ونن Craig Winn الذي وصف الرسول بأنه قاطع طريق استعمل حسب زعمه البطش والاغتيالات والخداع للوصول إلى السلطة المطلقة.

و أما الغرب و ما نسميهم نحن بدولة النموذج في صحيفة دانمركية سنة 2005 وهي (يلاندز بوستن) وضعت الجريدة مسابقة خاصة برسم كاريكاتير هادف للإساءة  برسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، وقامت الصحفية باختيار 12 رسما من الرسوم المرسلة وفيها استهزاء وسخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم فإحداها تظهر صورة لرجل يلبس عمامة على شكل قنبلة بفتيل يزعمون أنها للرسول صلوات الله عليه، وغيرها من الصور المؤذية والمسيئة لكل مسلم.

ولازالت الإداعات مستمرة و تشويه صورة نبي الأمة المرسل للعالمين أجمع يتطاول عليه و على رسالته دولة ماما، على الرغم من غيرة و احتجاجات المتظاهرين المسلمين في مختلف بقاع العالم المؤمنون بمحمد و بالرسالة الإسلامية.

في سنة 2020 و في ظل استمرارية أزمة كورونا شنت حرب قوية أعلنها  الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريحاته المستفزة و تدخل في القضية غاضبا مستنكرا لما يتعرض له الإسلام و في هذه الفترة الصحية المؤرقة عالميا الطيب رجب أردوغان و منح درسا للرئيس الفرنسي لن ينساه أبدا، و لكن ماكرون بالغ هذه المرة و أعلن أن بلاده لن تتخلى عن الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وللرموز الإسلامية، في حين تحركت و أقامت الدنيا و لم تقعدها  منظمة التعاون الإسلامي الجمعة 23 أكتوبر 2020 نظرا لاستمرارية  هجوم فرنسا القاسي و وماله من انعكاسات سلبية  على مشاعر المسلمين بالإساءة إلى الرموز الدينية و الإسلام ، و كما استغربت الأمانة العامة للمنظمة من الخطاب السياسي الرسمي الصادر عن بعض المسؤولين الفرنسيين الذي يسيء للعلاقات الفرنسية الإسلامية ويغذي مشاعر الكراهية من أجل مكاسب سياسية حزبية.

و على الرغم من انتشار المسيحية بلبنان، أكدت دار الإفتاء اللبنانية أن الإساءة التي يغطيها الرئيس ماكرون، للنبي محمد خاتم المرسلين، ستؤدي إلى تأجيج الكراهية بين الشعوب و هذا يتناقض و التعاليم الإنسانية التي ينشرها و يأمر بها العالم الغربي و الصورة التي كرسها الغرب بكونها دول تتحقق فيها الديموقراطية و المعنى الحقيقي للإنسانية و التسامح و تكريس مبدأ تقبل اختلاف الآخر و احترامه معتقداته بكونه إنسان بغض النظر عن جنسه، عرقه، أو انتمائه السياسي أو الديني……..

كما أن دولة الكويت عبرت عن رفضها للسلوك الفرنسي المستفز، بحيث نشر رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم بعض الصحف الفرنسية وغيرها رسوما مسيئة للرسول الكريم، رافضا حرية الإساءة للمعتقدات الدينية، و من جانب آخر رفضت الحركة الدستورية الإسلامية موقف ماكرون الرامي لتمسكه بالرسوم المسيئة للرسول الكريم و عدم التراجع عن موقفه اللاواعي  ودعت الحكومة الكويتية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والغيرة على عقيدة الأمة.

و يزيد الطين بلة بخروجه بتصريحات تشعل النار في قلوب المسلمين بحيث قال في حفل تأبين باتي الذي أقيم في جامعة السوربون إن فرنسا لن تتخلى عن الرسومات “وإن تقهقر البعض”، مضيفا أن باتي قتل لأن “الإسلاميين يريدون الاستحواذ على مستقبلنا”.

بكونه حاقد على بعض التصرفات و ينتقم بما يقوله حاليا، و تسببت تصريحاته الحاقدة في تأجيج نيران الغضب ب وسائل التواصل الاجتماعي التي طالبت بمقاطعة المنتجات الفرنسية على وسم #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية الذي تصدر قائمة أكثر الرسوم انتشارا في معظم الدول العربية، بالإضافة إلى وسم #ماكرون_يسيء_للنبي و#إلا_رسول_الله التي عبر المدونون فيها عن غضبهم الشديد من استمرار نشر الرسوم التي تسيء لنبي الإسلام.

و من ثمة فإن هذه التصريحات و هذه الحروب العقدية لا تعبر عن رقي أي شعب مهما كانت مكانته و قوته الاقتصادية، و ما يبدو حاليا و تعبر عنه الأوضاع الكائنة و في ظل أزمة صحة عالمية  نرى ولادة أزمة أخرى أخلاقية تؤجج حربا باردة المعالم و ساخنة الانتقام و محركة عواطف الانتماءات الدينية و هي غيرة عقدية لا يحق لأي كان أن يتجاوز الخطوط الحمراء فيما يخص الجانب العقائدي و عبادة الناس لخالقها و الإيمان بالله و برسوله الذي تعرض للإساءة منذ الأزل و ما رأيناه هي إساءة على مر الزمن و للأسف إلى أن يرث الله الأرض و من عليها، لأنها أزمة إعادة إنتاج عقليات تحترم إيمان كل دولة على حدة و احترام مشاعرها و قناعاتها لكي لا تقوم حرب عقدية كما نراها بين الطوائف التي نجحوا في تقسيم وحدة المجتمعات و تماسكها.