أقلام حرة

آن الأوان لرفع الصلوات الجماعية والتوجه إلى الله دون وسيط ؟

 

رضوان المسكيني

 

 

في حديث عابر مع أحد الأصدقاء حول الأوضاع الحالية في العالم وماسببه مرض العصر “كوفيد 19”
والذي بادرني بالسؤال مارأيك في الأماكن المقدسة وهي فارغة من المصلين وهل آن الأوان لرفع الصلوات الجماعية ؟
في الحقيقة فاجئني سؤال هذا الصديق ، ففرض علي الدخول في برهة من التفكير مرغما ، خصوصا أننا تعلمنا بأن الصلاة والدعاء هما مخاطبة الله ، والمخاطبة تعني التحدث إلى شخص ما ، لذلك عندما نصلي أو نقرأ الدعاء والمناجاة ،فإننا نتحدث إلى الله سبحانه وتعالى ، فرادى أوجماعات .
إن جائحة “كوفيد 19” فرضت على المؤمنين بجميع الأقطار قوانين صارمة بعدم التجمع في المساجد والكنائس فرفعت الصلوات الجماعية جميعها إلا صلاة الجنازة على الميت وذلك باحترام المسافة المطلوبة بين المصلين . أمر هذا المرض عجيب ، وهل هو حكمة من حكم الله ودعوة لمراجعة الفرد لنفسه وعلاقته بالخالق باعتباره نواة تشكل صرح العالم الانساني .
الصلوات الجماعية تستلزم وجود الإمام أو القس وهو الواسطة بين الله وعباده ، لماذا لانفكر مليا في هذه النقطة ، فهل يحتاج المؤمن كيفما كان دينه إلى وسيط بينه وبين خالقه المحبوب ؟
للدعاء والمناجاة قوة خاصة ، خصوصا عندما نكون في محضر الخالق ، والذي يتطلب دعائنا وحديثنا له قمة الود والاحترام ،وهذا ما تقوم به جميع الأمم – من منازلها – في ظل الوضعية الراهنة ،وهي الدعاء إلى الله الواحد الأحد، رغم اختلاف الأديان والعقائد والملل والنحل واللغات والأجناس والألوان، يبقى الهدف واحدا هوالتضرع إلى الله لرفع البلاء على عباده .
إن الأدعية في أوج صفائها تقربنا إلى الخالق وتساعدنا على الورود في ساحة قدسه العظيم ، كما أن أفضل حالة في عالم الوجود هي حالة الدعاء ومناجاة الخالق أي “مخاطبة الله ” التي تبعث الروحانية ، وتثير اليقظة والإحساسات الملكوتية ،وتولد قابلية لفهم وإدراك الكلمة الإلاهية ، فهل تحتاج مخاطبة الخالق إلى الوسيط ؟
إذا كان الله قد خلقنا لأنه يحبنا فهذا يدفعنا إلى التساءل عن سبب وجودنا ؟ وهل فعلا يحتاج الخالق إلى صلواتنا وابتهالاتنا ؟ إذا كانت الأجساد في عالمنا المادي تحتاج إلى الأكل والشراب والراحة والنوم والرياضة من أجل الاستمرارية والبقاء ، فبالطبع أرواحنا تحتاج إلى غذائها الروحاني الذي يساهم في ترقي الروح وسموها ، وعن طريق روابط المحبة التي تصلنا من العوالم الإلاهية نحصل على النعم والمواهب والعطايا ،كما أن الدعاء والابتهال إلى الله يقوي قدرتنا على التمتع بهذه العطايا الروحانية لنصل بالتالي إلى السعادة الحقيقية فهل صلواتنا تحتاج إلى وسيط ؟
مازال أتباع بعض الأديان لم يفهموا الهدف الحقيقي من الصلاة والدعاء ، فأغلبهم يصلي من أجل النجاة من عذاب الله وسخطه تجنبا لناره وجحيمه والفوز بجنته ورضاءه . حتى أصبحت الصلاة بمثابه دَيْن يومي يجب تسديده حتى لا تتكاثر الأقساط على الرقبة .
لوفكرنا مليا لوجدنا على أن الصلاة والدعاء هي أحد الحدود التي فرضها الله على عباده في جميع الكتب السماوية المنزلة ،على عباده في مر العصور ، ومادية الانسان وطبعه المتخاذل يحتاج الوعظ والتذكير بواسطة مظاهرأمره -الرسل – من أجل الثبات على العهد والميثاق الأبدي والذي يعتبربمثابة عقد أبرم بين الله والانسان منذ الأزل ،وفق جميع القواعد و الضمانات والشروط التي تبين على أن الخالق ملتزم بشروط هذا العقد ببعث الرسل عند كل ترقي إنساني ، ويبقى على العبد الالتزام من طرفه وذلك بالإيمان بمظاهرأمر كل عصر جديد . وتبقى الصلاة والدعاء أحد الشروط المهمة لسريان هذا العقد دون وسيط .