مكناس والجريمة،
مقولة ” وهاذ الشي كثر هاذ الأيام في مكناس” إنه التعبير الذي أصبح مستباحا عند عموم الساكنة، إنها لغة التهويل والخوف والتخويف من نسب الجريمة المتدفق بمكناس، إنه عامل من عوامل قياس الشعور بانعدام الأمن لدى ساكنة مكناس.
لكن، لن نحمل المقولة على وجهة التهويل المخيف، ولن نستخف من ترددها على الألسن، بل نوثق من خلال تتبع خارطة الإجرام على الصعيد الوطني أن مكناس تعرف ترتيبا متدنيا من خلال نسب وأعداد الجرائم المسجلة، وقد تعتبر مدنا بؤرة منتجة للجريمة نحو (الدار البيضاء/ مراكش/ فاس/ العيون/ سلا…).
لن نبتهج بترتيب مكناس المتدني فهي بحمد الله تعيش ضمن خانة ترتيب التنمية المتدنية كذلك، ومن أجل دراسة نسب الجريمة على صعيد المدن يكون معيار حالات الاعتقال مقسوما على عدد سكان هذه المدن، اعتمادا على إحصاء السكان والسكنى لسنة 2014.
المغرب ومؤشرات الجريمة،
حسب قاعدة بيانات موسوعة “نامبيو” حول مؤشرات الجريمة العالمية لعام 2019 ، احتل المغرب الرتبة 12 على مستوى القارة الإفريقية من عينة ضابطة 118 دولة، وقد صنف المغرب ضمن الدول التي تعرف مستويات جريمة معتدلة بحصوله على تقييم 50,24 نقطة ضمن مؤشر انتشار الجريمة، و 49,76 نقطة ضمن مؤشر السلامة الأمنية.
ويعتمد التقرير على معايير عديدة منها جرائم القتل و السرقة والاغتصاب…،. ومن بين الملاحظات الواقفة أن المغرب أضحى تحت معدل مؤشر السلامة الأمنية 49,76 نقطة “،(تقرير أوردته يومية “رسالة الأمة”).
تصنيف الجريمة،
بالموازاة مع المعطيات الإحصائية السالفة الذكر، فمديرية السجون بالمغرب من خلال قائمة المعتقلين نقف على أن اللائحة تتصدرها جرائم الاعتداء على الأموال، يليها المعتقلون في جرائم القوانين الخاصة، ثم المعتقلون في جرائم الاعتداء على الأشخاص، ثم جرائم الإخلال بالأمن العام، ثم جرائم نظام الأسرة والأخلاق العامة، وجرائم أخرى.
من تم نقف أن المال من حوافز جرائم السرقات، نقف أن الفساد والتزوير هي من نتاج خرق القوانين الخاصة، نجد أن الجريمة بالمغرب لازالت تصنف ضمن الخانات غير المنظمة ولا الاحترافية، ولكن التحولات الاجتماعية والمعلوماتية تعلن مؤشر التحول.
مكناس وتناسل أخبار الجرائم،
هي مكناس بلغة سكانها التي تعيش فترات سكونية في عالم الإجرام والجريمة، هي مكناس التي تخلق المفاجأة المريعة من خلال حمل الرؤوس”مجينينة و الرأس المقطوع ” أو اللحم الإنساني المفروم (جريمة فبراير 2006)”. هي مكناس التي تحمل صفة الطاجين الحامي ومرة مرة “تيطيرو شقوفها في سماء عالم الجرائم”.
جريمة التعدي على طفولة “رضا ” بمنطقة صهريج سواني خلخلة الهدنة الأمنية مع الجريمة، أبانت أن الجريمة نائمة وممكن أن تهب وقوفا بأي لحظة، أربكت الحسابات الأمنية بالاستعجال والقبض على الجنات، وإعادة صياغة خارطة التدخل الأمني بالمدينة.
فمن خلال إعادة تمثيل جريمة الطفل “رضا ” في وضعيات المباشر على المواقع الاليكترونية الاجتماعية و بالتعويم غير الاحترافي، تلك المشاهد أربكت كل المواطن يحمل هاتفا ذكيا و أضحى يفتش عن مشاهد من العنف اليومي بالمدينة ليوثقه وينال فرحة “جيم” ، صنعت تلك المشاهد هالة من الخوف على الذات والعرض و الأموال، وأصبح الكل بمكناس حاملا لهوية مجرم متنقل مع وقف التنفيذ.
إنه الخوف غير المبرر، إنها ولمرات عديدة تسويق استغاثات غير موثوقة بالصدق و التجمهر، إنه التهويل المبالغ فيه، إنه البحث عن السبق في المواقع الاليكترونية “عاجل جريمة قتل/ اغتصاب/ خطف ” فما أسوأ السبق !!!، وهل من جزاءات لتلك الأخبار الزائفة من الصحة والصدق؟ على حد توصيف صديقي.
الأمن الوطني بمكناس،
لن نبخس رجال الأمن أدوارهم القانونية ولا الإنسانية في مجموعة من التدخلات الحكيمة للحد من الجرائم وحفظ الأمن العام، لن نقلل من تمكنهم من فك ألغاز مجموعة من الجرائم بالسرعة الاحترافية، لن نلقي عليهم اللوم حين استعمال الرصاص في توقيف من يعتدي على عموم المواطنين.
لكن، ممكن أن ندفع باقتراحات لتجويد الخدمات الأمنية بمكناس من خلال المقاربة الاستباقية، من خلال القدرة على رصد الجرائم والتدخل قبل تسجيلها، من خلال إعادة تحديث البنيات التحتية الأمنية والعمل على مراكز القرب ، من خلال الدوريات الأمنية المتنقلة، من خلال الزيادة في أعداد رجال الأمن والتواجد الدائم في نقط معلومة للجرائم و سرعة التدخل.
ارتدادات الأمن بمكناس،
لن نصنع تمييزا بين نوعية الجريمة بمكناس وبين إفلاس المشروع المجتمعي التحولي غير المضبوط بالتكهن المستقبلي، لن نتحدث عن نوعيات الجرائم بمكناس بعيدا عن تناول مقاربة شمولية لأوضاع مكناس الاجتماعية والاقتصادية و المجالية. لن نجد تبريرا للمجرمين من خلال الحديث عن التهميش والتفقير والهشاشة و الإقصاء، ولكن نعوم المشكلة نحو مسلك تصويب سوق الشغل، نحو أفق العيش الآمن بالمدينة، نحو المدرسة والقيم و الرعاية الاجتماعية، نحو التحولات الاجتماعية التي لا تحمي القانون من القاعدة، وممكن أن تحمي المجرم”…..هرب راه هاذ يضربوك بالسلاح …”.
(يتبع الجزء الثاني: مقترحات لتجويد الخدمات الأمنية بمكناس).