رسالة لمستقبل مهنة التوثيق العدلي
بقلم : عبد الغفور حجي مرشح لرئاسة الهيئة الوطنية
زملائي زميلاتي العدول
أطيب تحية لكم؛
تعيش مهنة التوثيق العدلي عدة مستجدات إلى جانب مسارها التاريخي تضعها على مفترق الطرق؛
طريق العودة للوراء وتكريس العديد من المعيقات التي تضرب المهنة في مقتل وتتجه بها نحو الاندثار،
طريق التقدم بالمهنة والعدول لتحصين مكتسباتها والانتقال بها إلى المكانة التي تستحقها،
طريق التردد والدوران حول الذات وإضاعة الزمن وفقدان الاتجاه.
وهذا الوضع يطرح على كل عدل مسؤولية فردية لبناء المسؤولية الجماعية والرقي بالعمل المشترك حتى لا نضيع الاتجاه الصحيح.
هناك زملائي زميلاتي إجماع على ضرورة تغيير القانون المؤطر للمهنة، بعد أن عمر أكثر من 14 سنة، واتضح للجميع نواقصه وثغراته التي تخلق معيقات مؤثرة وبنيوية على تطوير المهنة وتحقيق أهداف تنظيمها كما ينص على ذلك القانون نفسه من خلال وعي المشرع نفسه .
إلا أن معركة تغيير القانون التي طالت واستطالت، ليست إلا واحدة من المعارك مع الذات ومع المحيط التي تحتاج أن نختار الطريق الملائم بالنسبة لعملنا المشترك، حتى يعم النضج المهنة ومجالات اشتغالها؛ ونقلص كل ما أمكن من الصراعات الانقسامية التي يدفعنا لها البعض، بما في ذلك جر المهنة للحسابات السياسوية الخانقة، والتشتيت من أجل الهيمنة.
لقد جسدت نخبة من العدول الوعي بضرورة هذا العمل التنظيمي لتطوير المهنة وتحسين أوضاع المهنيين من خلال تعزيز الممارسة بتأسيس نقابة وعيا بدورها المكمل للهيئة والمتجه إلى تمتين التنظيم الذاتي لمهنة العدول.
وأعتز بأني كنت ضمن النخبة المؤسسة لنقابة العدول التي عليها أن تستمر في تطابق مع أهداف تأسيسها وتتلاءم مع التحولات الجديدة.
فلا سبيل إلا أن يبقى التوثيق العدلي مهنة للمغرب والمغاربة ككل، ولا يمكن ان تكون مهنة يتحكم فيها تيار محدد.
وهذا الاقتناع هو الذي جعلنا نواجه بالأمس واليوم محاولة التلوين الحزبي المريض للهيئة من قبل المصابين بعمى الألوان الزاهية التي يزخر بها المغرب، وذلك مما أضر بالهيئة خلال الولاية السابقة، وفي هذا الصدد أكتفي هنا بتقديم ثلاث نماذج فقط؛ الأول التسرع المتهافت في التوقيع على “اتفاق التغطية الصحية ” بشكل ومضمون جعلاها مشكلا إضافيا للسيدات والسادة العدول، عوض أن تكون حلا؛ والثاني هو قضية “المقصيين”؛ والثالث هوالإنفراد بالقرار، وتجاهل التدبير الجماعي وإقصاء أعضاء مكتب الهيئة من تحمل مسؤولياتهم ، بما في ذلك تقديم “تعديل” لقانون المهنة…
وهذا النزوع المتزايد للابتعاد عن المطالب المشروعة للمهنة وجعلها رهينة لحسابات ضيقة، سيحتاج إلى يقظة واسعة وسط السادة والسيدات العدول.
لما سبق ، ولغيره قررت بعد تفكير واستشارات أن أسحب ترشيحي لرئاسة الهيئة، معتذرا لكافة الأصدقاء والزملاء والزميلات الذين حفزوني على الترشيح ، والذين عبروا عن مساندتهم القوية وأحيانا بشكل جماعي لترشيحي؛
ومع تقديري لحظوظنا الوافرة في الانتخابات لرئاسة هيئة العدول، فهذا الانسحاب هو للتأكيد على أن التهافت على المواقع داخلها لن يساهم في الدفاع عن المهنيين والترافع من أجل المهنة والسعي لتمكنها من التقدم و وضع أفضل…
كما أتمنى أن يكون هذا الانسحاب مساهمة لتفادي تحويل الانتخابات المهنية أداة للانقسامية والانشطار ، عوض أن تكون آلية للتباري الديمقراطي الذي ـ لا يلغي بل ـ يعزز المشترك بين السادة والسيدات العدول، ويفتح المجال لتنافس الأفكار و البرامج، لاسيما في وقت ما أحوج مهنة التوثيق العدلي للتصورات لإنقاذها والرقي بمكانتها لما تستحق ضمن مصاف المهن القانونية والقضائية …
والحال أننا نلاحظ الحملات الانتخابية السابقة لأوانها، وبناء المساطر على مقاس الأشخاص نفسهم، وطغيان التنازع والتهافت على المواقع داخل الهيئة التي لا ينظر لها كوسيلة لتحمل المسؤولية من قبل الكثيرين ،وإنما من أجل التموقع بهدف تحقيق أغراض خاصة ،إلم تكن غير مشروعة.
وهو انسحاب يجسد عدم قبول تحويل العدول إلى مغفلين غير آبهين بما يعيشه العالم والمغرب من تحولات، ورفض لقلب أولويات المهنة ورهاناتها الكبيرة، إذ لا يمكن إلا أن نتوجه جميعا مسلحين بالتضحية الضرورية، والعمل الجماعي والوعي الكامل باللحظة وبالتحديات والانفتاح النبيه على المستجدات والمستقبل؛ وعدم الانجرار وراء نزوعات النكوص والتشتيت وجعل المصالح الخاصة تسبق المصلحة العامة.
إن انسحابي من الترشح لرئاسة الهيئة لا يعني إلا تشبثي بالمزيد من العمل لصالح المهنة والترافع من أجل مطالب العدول وبتقوية العمل الجماعي وتوحيد جهود الطاقات الخيرة التي تزخر بها المهنة والهيئة والنقابة؛
ولعلي بذلك لم أقم سوى بحذو ما قدمه العدول الشباب والعدول النساء من إضافات وما يساهم به العديد من أطر وخبراء المهنة لصالحها ـ غالبا ـ في صمت ونكران للذات.
لقد فضلت أن أتوجه بهذه الرسالة للمستقبل ،تقديرا لانخراطنا جميعا في رسالة مهنة التوثيق العدلي وبناء مستقبلها قبل أن يضيعه الزمن منا أو نضيعه بأيدينا .
ودمتم للعدل ركيزة وللتقدم سندا وللمهنة دعما .
والسلام