الأحداث الوطنية

عدنان”شهيد الطفولة المغتصبة في زمن كورونا

بقلم: إيمان الحفيان

 

عادت قضية الإعتداءات الجنسية على الأطفال المغاربة للواجهة من جديد…خيم الحزن على بيوت و شوارع عاصمة البوغاز طنجة ليلة السبت 12 شتنبر 2020، لم تغمض جفون الساكنة الكل تأثر و بكى و تساءل بأي ذنب قتلت يا عدنان؟ و لم يطمئن أبويه منذ اختفائه و أبلغوا الشرطة و أعلنوا عن اختفائه عبر وسائل الإعلام و رغم ذلك لم يمنعوا تحقيق قدر قتل الطفل في تفتح زهر طفولته….
تمكن عدنان عبر صوره المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي من استوطان قلوب المغاربة على وجه العموم ، و تفاعلت مع ملامحه البريئة ساكنة مدينة طنجة بصفة خاصة، أما بعد مقتله فماتت البراءة كما ماتت من قبل و ترحمنا عليها في قضايا مشابهة بكونها ظاهرة “غربية” دخيلة على ثقافتنا، ضحية فعل توحشي تجرأ على حرمة الجسد.
الطفل الشهيد عدنان رحل عنا و عن عالمنا “المدنس” في عمر 11 سنة، قد اختفى بالقرب من منزل عائلته في مدينة طنجة الذي بدأت توجه لها الاتهامات و الأنظار بانعدام الأمان فكيف يعقل أن تغتصب الطفولة في زمن ينخر فيه وباء كورونا جهة طنجة بغض النظر عن انتشاره كانتشار النار في الهشيم في جميع بلدان العالم؟ هل وباء كورونا و شروط تباعده الجسدي كان دافعا رئيسيا في تحقق مثل “كل ممنوع مرغوب” و إثارة شهوة “المغتصب” لإقدامه على هذا الفعل؟
وبعد أيام من اختفائه رصدت كاميرات المراقبة الطفل رفقة شخص بالقرب من حيه، عندما كان في طريقه لشراء دواء لوالدته من الصيدلية، و على الرغم من الحملة الفايسبوكية التي شنت لأجله و تعاطفت معه للعثور عليه إلا أن الخيبة كانت خيبة شعب مغربي عثر على جثة عدنان مدفون بحفرة بحيه الذي ترعرع فيه…
و أكد رجال الأمن في بيان أن “المشتبه به استدرج الضحية إلى شقة يستأجرها في مكان غير بعيد عن منزل الطفل، واعتدى عليه جنسيا ثم قتله ودفنه”.
و لا ننكر كيف حركت هذه الجريمة مشاعر و تضامن المغاربة مع قضية أخلاقية و اجتماعية محضة، عبر مطالبة الشعب المغربي بعقوبة الإعدام المباشر في حق الجاني، لتخفيف وقع الصدمة الممزوجة بالحزن والغضب لدى الرأي العام المغربي، الذي يطالب بإنزال عقوبات قاسية بحق “الوحش الآدمي”، وتعزيز قوانين حماية الطفولة و رد اعتبار والديه و جدته المريضة أيضا… فهو تسبب في تدمير بيت أسرة و تحطيم قلب شعب بكامله…
و تم التحقيق مع مرتكب الجريمة البالغ من العمر 24 سنة، الذي يعمل في المنطقة الصناعية بالمدينة، نظرا لتورطه بارتكاب “جناية القتل العمد المقرون باعتداء جنسي”.
لا بد أن نشير إلى نقطة رئيسة ألا و هي أن ما حدث يندرج في إطار الظاهرة العالمية ذات الطابع الاجتماعي و الانعكاسات النفسية، هي من أخطر الجرائم الشنعاء ذات الآثار السلبية الكثيرة على الفرد المتأثر بسلوك الاغتصاب بمعنى الطفل المغتصب أيضا عائلته و محيطه و مجتمعه، هو سلوك يقصد به التحرش الجنسي بالأطفال أو الاعتداء الجنسي على الطفل من خلال استخدام الطفل الذي لا يتجاوز عمره 18 سنة لإشباع رغباته الجنسية، هم أشخاص تثيرهم أجساد الأطفال و يرونهم آلة لممارسة الجنس و لا يميلون للجنس الآخر و النساء و الرجال قد يميلون لفئة الأطفال لتحقيق الرغبة “النشوة الجنسية”.
مع قضية عدنان بوشوف عادت بنا الذاكرة لبيدوفيل فاس و الجرم اللاإنساني في حق جسد و طفولة أربع قاصرات على يد رجل فرنسي المتهم البالغ من العمر 58 عاما، ضبطته قوات الأمن قبل أيام داخل مشغل للخياطة، مختليا بطفلتين أعمارهما تتراوح بين 10 و13 عاما.
هو أجنبي الجنسية و أقدم على فعل كهذا بحيث أن هذا السلوك لا يرتبط بعقلية أجنبي أو مغربي و كما أشرنا سابقا هي ظاهرة لا يخلو العالم من مخالبها، بحيث أن أجانب توبعوا في قضايا هزّت الرأي العام المحلي، ولطالما دقت منظمات حقوقية ناقوس الخطر وأشارت بأصابع الإتهام إلى “السياحة الجنسية” ومسؤولية الدولة و هنا تطرح العديد من الإشكالات التي لازالت معلقة و لم تضع حدا لمثل ما أصبح قضية رأي عام و ما خفي كان أعظم، فضايا عديدة ترتبط بالسياق تم التستر عليها منها من وصل للقضاء و بعضها للإعلام و أغلبها ظل محجوبا عن الرؤيا و هنا يبرز دور الأسر و المنظمات و المجتمع المدني في علاج ظواهر استفحلت المجتمع و زادت من حدة عقده و “مكبوتاته” المسكوت عنها بدعوى الحياء أو بدوافع أخرى تتقاطع مع ما أمرت به كل الديانات و الإنسانية جمعاء…
و عبر التحقيق مع الجاني بعيدا عن كل السيناريوهات التي أشارت إلى ارتباط مقتل الطفل بظاهرة الشعوذة، ماحدث مع الطفل عدنان و انتهى بجريمة القتل حدث مع أطفال قبله من جنسيات مختلفة وهو سلوك مرفوض مجتمعياً وأخلاقياً، حيث أنه يعتبر محاولة لتحريض الأطفال جنسياً قبل سن البلوغ وهذه الأمور تعد جرائم تعاقب عليها قوانين جميع الدول، ولكن ما نريد توضيحه هنا هو أنه لا يجب الخلط بين المعتدي على الأطفال وبين من يميل جنسياً له و كلاهما يسيء لجسد الأطفال “هبة ربانية و براءة نقية” تستلزم عدم إهانتها أو تحريف معالم الطفولة البريئة….
كلنا مسؤولون في الحد من هذه الجريمة التي تصل للقتل في الغالب، بدئا من الحكومة و أجهزة الدولة المغربية، ثم عملية التنشئة الاجتماعية لضمان حماية الأطفال بشتى الطرق القانونية والتشريعية، و في هذا السياق نشير إلى ما يضمنه القانون الجنائي المغربي من فصول و فقرات ، تنص على العقوبات التي يتعرض لها المعتدي على الطفل سواء جنسيا أو بشكل يهدد صحته النفسية أو الجسدية و هنا نستحضر الفصل الخاص بهتك عرض قاصر و قتله كما جاء في القانون الجنائي المغربي الفصل 410
إذا نتج عن الضرب أو الجرح أو العنف أو الإيذاء أو الحرمان المشار إليه في الفصل 408 فقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أية عاهة دائمة أخرى فإن عقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة.
أما إذا نتج عنه الموت، دون أن يقصد الجاني إحداثه فإن عقوبته السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة.
وفي حالة حدوث الموت، دون أن يقصده الجاني، و لكنه كان نتيجة لأعمال معتادة، فإن العقوبة تكون السجن المؤبد.
وإذا كان الجرح أو الضرب أو العنف أو الإيذاء أو الحرمان قد ارتكب بقصد إحداث الموت، فإن الجاني يعاقب بالإعدام”
و في الفصل 475 أنه كل “من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنه عن ثمان عشرة سنة بدون استعمال عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم.
ما أوصلنا إلى واقع الحال و ما نعاني منه اليوم الأمرين هو اعتبار الجنس طابو من بين الطابوهات العريضة و الكبرى خاصة بالمجتمعات “المتخلفة”، العيب كل العيب هو الصمت والتكتم في الوقت الذي يجب فيه الكلام و الصراخ على جرائم الإعتداءات الجنسية على الأطفال في المغرب بسبب الجهل وعقدة العار والخوف من الفضيحة وسط الأسرة والمحيط، تساهم في تنامي جريمة “البيدوفيليا
و سبق و أن أكدت و نددت منظمة “ماتقيش ولدي” على “ضرورة (تطبيق) الدستور وتشديد العقوبات المتعلقة بالاعتداء الجنسي على الأطفال” و طالبت بإحالة جميع ملفات الاعتداء الجنسي ضد القاصرين على غرف الجنايات… للتخفيف من وقع و انتشار الظاهرة التي تسبب في كوارث مجتمعية و اضطرابات نفسية على المعتدى عليهم و في سن الطفولة يتم ترسيخ و تسجيل غالبية الأحداث خاصة المؤلمة منها و المبهمة بالنسبة للطفل الذي لا يفهم معنى أن يقترب منه شخص بالغ و لمس جسده و أعضائه التناسلية بالأساس مما يحعله يدخل في دوامة حيرة و تساؤلات لا انقطاع لها.
و أرجع العديد من السيكولوجيين و الباحثين في هذه الظاهرة ما وقع مع شهيد الطفولة عدنان في زمن كورونا سنة 2020، و غيرها من السلوكيات المرتبطة بالجنس لتغييب التربية الجنسية بمجتمعاتنا و نختم حديثنا بما قاله د.عبد الصمد الديالمي : “إنها تربية جنسية هادفة إلى مساعدة الأطفال للتعرف على طبيعتهم الجنسية و مكانة الجنس ودوره في حياة الفرد و بقاء الإنسان و استمراره…” لضمان استقرار السلوك الجنسي و تأطيره و ممارسته بشكل رضائي مع الجنس الآخر بعيدا عن تدنيس العلاقة الحميمية و ربطها بجسم الطفل الذي لم يكتمل نضجه الفكري و لا الجسدي بعد….